
أجلس على مقهى يسمونه "شعبى" ، وأراه مقهى "توم وجيرى" ، فالقطط حولى كأنها زبائن أخرى جاءت تبحث عن رزقها تنتظر أو تستريح أو .. ربما ، جاءت تشد بعض أنفاس الشيشة!
أجلس وتتداعى ال؟كريات المريرة ..أتذكر شاعر حلمنتيشى كان يجلس مثلى على مقهى شبيه ب؟لك وهو يعبر بطريقته عن همومه
" أبويا ياما قاللى بطّل قراية فى الكتب
ياما قاللى بطل تعب
وفوق
وإصحى يا بنى ، وارضى بحال البلد"
وأتذكر الماغوط ، السورى الذى أدمن العروبة ، ولم تعتقه ، وهو يخاطب "السياب" بعد موته :
تشبث بموتك أيها المغفل
دافع عنه بالحجارة والاسنان والمخالب
فما الذى تريد أن تراه؟!؟
كتبك تباع على الأرصفة
وعكازك أصبح بيد الوطن "
وأفيق من ذكرياتى المريرة لتطالعنى أحداثا أمر وأشد إيلاما وأت؟كر مانشيتات الجرائد .. " أنق؟وا خليل كلفت .. خليل كلفت فى حاجة لزراعة كبد ولا يجد مصاريف العملية"
، و " بعد طول إهمال من جانب حكومة الوطن ، الحكومة الايطالية تتكفل بمصاريف عملية كلفت "... و " بعد وفاة زوجته وإصابة إبنه بثلاث جلطات: السيد حافظ يعتزل الكتابة ويعرض كتبه للبيع"..؟!

يالله!.. أى بلد تلك التى تفعل فى مفكريها ومبدعيها ما لم يجرؤ "هتلر" نفسه على فعله؟!
- - -
بلد تهدر سنويا الملايين على "مشاريع اليوم الواحد" "(يوم زيارة الرئيس أو السيد المسئول ) ، بعدها يتركون المشروع أطلالا كأن جان سليمان هى التى ستكمله
بلد تبيع حقوق شعب بأكمله وتذروه هباءا تحت إسم الخصخصة / كما حدث فى شركة عمر أفندى ، وصفقتها المشبوهة!!
وملايين أخرى تنفقها الدولة لأجل توسعة السجون القديمة وبناء معتقلات جديدة بعدد كل المثقفين الشرفاء
ملايين وملايين وتستكثر القليل لعلاج مثقفين كل ما جنيهما أنهما عبرا عن أرائهما ..لإنقاذ كاتبين كل ما اقترفاه من إثم أنهما أحبا مصر وعشقاها.. فهل حب البلد أصبح إثم؟.. أم من يعاقب محبيها ويمنع عنهم أبسط حقوق لهما فى العلاج على نفقة الدولة هو الآثم الأعظم؟!؟
وليست حالة كلفت أو حافظ هى الاولى ولعل آخر تلك المآسى المريرة وفاة الشاعر الشاب " فتحى عامر" بعد تقاعس الدولة عن القيام بواجبها إزاءه والذى كان فى حاجة لعملية مماثلة لعملية " كلفت" ،الأمر الذى يعكس إهمالا يتكرر باستمرار من جانب النظام والحكومة المصرية التى لا تقدر الكلمة أو الفكرة ، لكن كل ما يعنيهاهو أن يكون المثقف إما معها ، يسير ضمن القطيع و يلهج لسانه بالحمد والمديح لكل ما يفعله النظام وإلا سيكون مصيرا آخر مثل ما حدث مع السيد حافظ وما حدث مع كلفت
- - - -
لم أتعرف على خليل كلفت بصورة شخصية ، لكننى وهذا الأهم تعرفت على عقله وفكره من خلال إبداعاته الأدبية او من خلال كتبه المترجمة من الفرنسية والانجليزية والتى أثرى المكتبة العربية بها ، فكتبه المترجمة كانت شديدة الأهمية والأثر
أما السيد حافظ فقد عرفته عن كثب ووجدته يحمل فى قلبه عشقا بحجم الوطن ..لم تفقده همومه الخاصة وهمومنا العامة حسه الساخر بل يظل محبا للحياة والناس .. جلشته الاثيرة فى المقهى الشعبة بين الناس البسطاء ، وأتذكر مرة كنت فى زيارته ،عندما استوقف أحد باعة العرقسوس ليشترى منه شرابه المفضل رغم أنه كان بإمكانه أن يستبدل العرقسوس بالمشروبات المستوردة لكنه رفض أن يخون الناس ويخون الوطن
وربما لا يكون معروفا للكثيرين رغم عطائه وريادته فى المسرح التجريبى على مستوى الوطن العربى كله ..فى كتابها التى ألفته عنه ، كتبت الباحثة الجزائرية "ليلى بنت عائشة" ... " السيد حافظ كاتب ذو عطاء كبير لكنه مغمور الى حد ما..أسقط اسمه إما سهوا أو عمدا لأسباب منها تحدثه عن القضايا المصيرية والتى لا تحبذ أى سلطة مجرد الاشارة اليها.." لكن ذلك لا يشفع للسيد حافظ ولا يكفى ليحظى برضا النظام ..
ولنتماسك ونحاول أن نبحث عن الجانى الحقيقى عما يحدث ونحن نقرأ رسالة السيد حافظ التىكتبها لصديقه المسرحى/قاسم مطرود
"
أنا الكاتب المسرحي السيد حافظ صاحب اكبر مشروع مسرحى في تاريخ الأمة العربية والإسلامية (66 مسرحية مكتوبة ومطبوعة) وصاحب اكبر رصيد من الدراسات الدكتوراة والماجستير والدبلومات والأبحاث فى تاريخ المسرح العربي وبما يفوق أستاذنا توفيق الحكيم. قررت اعتزال المسرح كتابة وحضورا وفنا واسف على اربعين عاما قضيتها فى هذا الفن
- - - - - -
قاسم يا صديقي لقد قررت اعتزال المسرح كتابة وحضورا وفنا واسف على اربعين عاما قضيتها فى هذا الفن القاتل الذى قتلنى اعتزلت نهائيا واعتذرالان فى كل يوم عن حضور ندوة او لقاء تلفزيونى او مشاهدة مسرحية بعد ان اكتشفت ان لاقيمة للمسرح الذى افلسنى وجوعنى وضيعنى بعد ان عجزت ان اعالج ابنى محمد حتى الان من جلطتين فى قدميه وهو شاب فى العشرين من العمر نتيجة اشعة ملونة خاطئة على قدمية وقامت الدولة مشكورة بعد جهود دكتور اشرف زكى رئيس البيت الفنى للمسرح بصرف 1300 جنيها لعلاج ابنى الذى تجاوز علاجة 15 الف جنيها ولم يتحرك فنانا ولااديبا للوقوف معى الا محفوظ عبد الرحمن صديق العمر الذى ارسل مبلغا من المال سلفة وانا مازلت ابحث عن دولة عربية تعالج ابنى او جهة تشترى كتبى كى اصرف على على علاج ابنى ..اى مسرح اى مسرح ياقاسم انا قررت ان افتح دكانا ابيع الكتب القديمة خلف اكاديمية الفنون بالهرم بشارع شبين الكوم فى حارة يجاورنى عم امين الحداد وعم على بائع السمك ابيع كتب قديمة مثلما فعل ابو حيان التوحيدى عندما عمل وراقا ومثلما فعل الشيخ تقى الدين المقريزى فى عهد السلطان برقوق ومثلما فعل عباس الابيض فى اليوم الاسود فى مسلسله انا اسف اننى ابيع كتبى لعلاج ابنى ولااطلب من احد معونة مالية اطلب ان ابيع الكتب التى الفتها 66 كتابا وكتب اخرين قديمة ماتو اواحياء اننى اعتذر لعشرين طالبا جامعيا يدرسون رسائل دكتوراة وماجستير فى مصر وتونس والجزائر والمغرب والكويت عن اعمالى اقول لهم اسف انا اعتزلت هذه امة تعيسة وانا اتعس شخص بها لقد اعتزلت ياقاسم وانا ابيع الكتب فى محل متواضع فى حارة شبين الكوم متفرع من شارع الزقازيق خلف اكاديمية الفنون فى الهرم تعال لتزورنى وتشترى كتابااترك الساحة وانا لست اسفا بل نادما على عمرى الذى ضاع هباءا
السيد حافظ
- - - -
ترى ماذا يمكن أن نضيف بعد ذلك سوى علامتى تعجب وإستفهام كبيرتين .. يبقى التعجب من حقنا وتتوه الإجابة على تساؤلنا فى فوضى وزحام الوطن..؟!